نيويورك، 27 مارس/آذار 2012) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن المحاكم العسكرية المصرية قد حققت مع 43 طفلاً على الأقل وحاكمتهم على مدار العام الماضي. آخر حالة من هذا النوع هي محاكمة تبدأ قريباً لأحمد حمدي عبد العزيز (13 عاماً) على صلة بأعمال شغب مشجعي كرة القدم في مدينة بورسعيد. الأطفال الخاضعين للملاحقة القضائية في المحاكم العسكرية لم يُتح لهم مقابلة محامين أو عائلاتهم، حتى انتهاء السلطات العسكرية من التحقيق ومن الحُكم عليهم. ومنذ وصول المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى السلطة في فبراير/شباط 2011 تمت إحالة أكثر من 12 ألف مدني إلى المحاكم العسكرية والقضاة العسكريين، وقد أخفقت هذه المحاكم في الوفاء بالحد الأدنى لمعايير إجراءات التقاضي السليمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على المؤسسة العسكرية المصرية أن تحفظ جميع التحقيقات والمحاكمات مع الأطفال أمام القضاء العسكري، وأن تفرج عن الأحداث المُدانين أو تحيلهم إلى قضاء الأحداث. وتحديداً، على الجيش أن يُفرج فوراً عن إسلام حربي – الصبي البالغ من العمر 16 عاماً الذي أمضى قرابة العام في سجن حراسة مشددة للبالغين بعد محاكمة غير عادلة أمام محكمة عسكرية في مارس/آذار 2011، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقالت بريانكا موتابارثي، باحثة حقوق الطفل المعنية بالشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "ألا يكفي أن المجلس العسكري يحاكم المدنيين أمام محاكم عسكرية، حتى يُخضع الأطفال المصريين لنظام العدالة العسكري؟ إن في هذا قدر أكبر من الظلم. لقد أحال الجيش أطفالاً إلى المحاكم العسكرية دون أن يوفر لهم تدابير الحماية الأساسية حتى، مثل أن يقابلوا المحامين وعائلاتهم. والأسوأ أن السلطات تعرضت لهم بالأذى أثناء احتجازهم".
وثقت هيومن رايتس ووتش ومجموعة النشطاء المصرية "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" 43 قضية لأحداث مثلوا أمام النيابة العسكرية والقضاة العسكريين على مدار العام الماضي. ظل بعض هؤلاء الأطفال رهن الاحتجاز لمدة ناهزت السنة، وزعم 6 على الأقل من الصبية إن ضباط من الجيش أو الشرطة اعتدوا عليهم بدنياً. بالإضافة إلى من أجريت معهم تحقيقات وخضعوا للمحاكمة أمام محاكم عسكرية، فقد تمت أيضاً محاكمة أطفال أمام نظام العدالة الخاص بالبالغين، وفي محاكم أمن الدولة، وليس في محاكم الأحداث، كما يتطلب القانونان المصري والدولي.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الجيش أن يُعلن عن بيانات قضايا جميع المدنيين الذين حاكمتهم المحاكم العسكرية، وبينهم الأطفال. وعلى البرلمان أن يُعدّل قانون الأحكام العسكرية بما يحظر على المحاكم العسكرية محاكمة الأطفال مهما كانت الظروف. من بين القضايا التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، حكمت محكمة عسكرية في أبريل/نيسان 2011 على محمد إيهاب (17 سنة) بالسجن 15 عاماً في سجن طرة مشدد الحراسة، وهو في ذلك السجن منذ 11 شهراً. تم اتهام إيهاب بكسر حظر التجوال العسكري وبالاعتداء على ضباط أمن، على حد قول والده لـ هيومن رايتس ووتش. لم يُوكل لإيهاب أو حربي محامين حتى مارس/آذار 2012، على حد قول أسرة كل منهما.
أما محمد شريف (17 عاماً بدوره)، فقد احتُجز مع مجموعة من أصدقائه في يوليو/تموز عند نقطة تفتيش للجيش في العريش، وهم في طريقهم إلى حفل زفاف، واتهموا بالمشاركة في الهجوم على قسم شرطة، على حد قول والده. ثم نقلهم الجيش إلى للقيادة العسكرية في الإسماعيلية، حيث تم التحقيق معهم أمام النيابة العسكرية، واحتُجزوا 15 يوماً، ثم أُفرج عنهم، على حد قول والد محمد شريف لـ هيومن رايتس ووتش. وفي مقابلة سجلها بالفيديو محامون حقوقيون، قال شريف إن أثناء احتجازه، قام الحراس بضربه وصعقه بالكهرباء في مختلف أنحاء جسده، وأطفأوا فيه السجائر.
قبضت الشرطة العسكرية على عبد الهادي (15 عاماً) في 9 مارس/آذار 2011 فيما كان يغادر محطة ميكروباص على أطراف ميدان التحرير، على حد قول شقيقته هدى لـ هيومن رايتس ووتش. قال عادل رمضان المحامي لـ هيومن رايتس ووتش إنه وجد بالصدفة مجموعة من 16 طفلاً – بينهم عبد الهادي – فيما كان في زيارة للسجن الحربي في الهايكستب يوم 27 مارس/آذار 2011. قال رمضان إنه قابل ثلاثة أطفال آخرين، تتراوح أعمارهم بين 14 و15 و16 عاماً، قالوا له إن ضباطاً من الجيش ضربوهم وصعقوهم بالكهرباء في السجن. في مارس/آذار 2011 حكمت محكمة عسكرية على عبد الهادي بالسجن ثلاث سنوات، ثم أفرجت عنه بعد شهرين، على حد قول شقيقته.
كان إسلام حربي يبلغ من العمر 15 عاماً في 23 مارس/آذار 2011، عندما قبضت عليه الشرطة العسكرية في الشارع بالمقطم، في القاهرة، حيث يعمل في أحد أفران الخبز؛ لينفق على أسرته، على حد قول أمه لـ هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط الماضي. تحدث حربي مع هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان 2011 عبر هاتف محمول يخص سجين آخر. قال: "كان هناك شجاراً في الشارع، وظن الجيش أنني واثنين آخرين بلطجية، فقبضوا علينا وأخذوني إلى المحكمة. لا أعرف الحُكم الصادر عليّ".
وجه ضباط الجيش الاتهام إلى حربي بالسرقة وحيازة سلاح أبيض، وأخذوه إلى السجن الحربي س 28 في القاهرة، على حد قول أمه. قالت إنه حُكم عليه في اليوم نفسه.
لم تصل لأسرة حربي أي أخبار عن مكانه أو الاتهامات المنسوبة إليه إلا بعد أسبوع من القبض عليه، عندما تلقوا اتصالاً هاتفياً من أسرة سجين آخر، أخبروهم بمكان ابنهم، على حد قولهم. وقالوا إنهم لم يتمكنوا من زيارته إلا في أواخر أبريل/نيسان، بعد أن نُقل إلى سجن الحراسة المشددة في طرة، من ضواحي القاهرة، حيث تم إيداعه في زنزانة مع سجناء بالغين.
قالت أمه إنها عندما رأته أواخر أبريل/نيسان كان على وجهه ما يدل على تعرضه للأذى البدني، وكانت عينه منتفخة. قالت: "كان مصاباً بكدمات في عينه وآثار ضرب... شكله وكأنه ميت".
مكث في طرة لمدة 10 أشهر، مع سجناء بالغين. تقول أسرته إنه لم يحصل على كفايته من الطعام، وكانت تُقدم له وجبتين صغيرتين في اليوم، ولم ينل رعاية طبية كافية.
وقالت أخته عبير لـ هيومن رايتس ووتش: "أكله لا يكفيه وهو متعب جداً، ويبكي طوال الوقت [عندما نزوره]. عنده مشكلة في الكُلى، لكن طبيب السجن يعطيه مسكن للألم لا أكثر. إنه يحتاج لرعاية طبية متخصصة. وقد حاولنا أن نأخذ له دوائه، لكن [حراس السجن] لا يسمحون لنا".
أضافت أم حربي إنها طلبت من مكتب القضاء العسكري في صلاح سالم نسخة من الحُكم الصادر ضد ابنها وأية وثائق أخرى متعلقة بقضيته، لكن لم تحصل على هذه الوثائق بعد. وقالت: "لم نعرف الحُكم الصادر عليه إلا بعد أن رأينا اسمه في قائمة الزيارات التي يضعها حراس السجن، وإلى جوار اسمه مكتوب: سجن 7 سنوات".
شددت لجنة حقوق الطفل – هيئة الأمم المتحدة المُكلفة بتفسير اتفاقية حقوق الطفل – على أنه: "لابد من تفادي قيام نظم العدالة العسكرية بالاضطلاع بإجراءات المحاكمة الجنائية ضد الأطفال". صدّقت مصر على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1990، فكانت واحدة من أولى الدول المُصدقة على الاتفاقية.
نصت المادة 37 من الاتفاقية على: "ويجب [ألا] يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه... إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة". ورد في المادة 37 أيضاً: "يعامل كل طفل محروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، وبطريقة تراعى احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه".
وقد نصت المادة 112 من قانون الطفل المصري (قانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008) على أن: "لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين في مكان واحد، ويراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر... وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه... كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلاٌ مع بالغ أو أكثر في مكان واحد".
المادة 8 (مكرراً) من قانون الأحكام العسكرية تسمح للمحاكم العسكرية بمحاكمة الأحداث إذا كانوا برفقة بالغ خاضع لاختصاص القضاء العسكري، ويشمل ذلك إن كان فرداً عسكرياً أو مدنيين في مناطق عسكرية.
وقالت بريانكا موتابارثي: "فيما تم الإفراج عن بعض الأطفال، فما زال هناك آخرين في السجن بناء على ما توصلت إليه محاكمات سرية من أحكام متسرعة". وتابعت: "لابد أن تسارع السلطات بتصليح هذه الأخطاء وأن تحاول إصلاح بعض الضرر الذي لحق بحياة هؤلاء الصبية".
للمزيد من تغطية هيومن رايتس ووتش للأوضاع في مصر، يُرجى زيارة:
http://www.hrw.org/ar/middle-eastn-africa/egypt
للمزيد من تغطية هيومن رايتس ووتش لقضية حقوق الأطفال، يُرجى زيارة:
http://www.hrw.org/topic/childrens-rights